حسن الظن وأثره في العلاقات الاجتماعية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين مولانا محمد وعلى آله أجمعين
فهذه كلمة عن حسن الخلق وأثره في العلاقات الاجتماعية من خلال النقاط الآتية:
تعريفه ـ أهميته ـ أسبابه ـ آثاره
تعريفه:
يكون جسن الظن بالخالق وبالخلق؛ فالأول أن يثق المرء بوعد الله ـ سبحانه ـبالغفران له إذا استغفر ، والقبول إذا تاب ، والإجابة إذا دعا ، والكفاية إذا طلب ،والآخر أن يحمل تصرف الإنسان محملا حسنا
أهميته :
تتجلى أهمية حسن الخلق في كونه أمرا دعا إليه الإسلام ونعى على عكسه في نصوص شرعية عديدة منها ما يلي:
ـ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا
ـ وفي الحديث القدسي: أنا عند طن عبدي بي
ـ دخل النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على رجل يعوده فقال : لا بأس طهور إن شاء الله، فقال : كلا بل حمى تفور ـ أو تثور ـ على شيخ كبير تزيره القبور، فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فنعم إذا.
ـ وفي الحديث النبوي: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن
ـ وفيه أيضا : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث
ـ وفيه أيضا : مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ)
ـ وعن داود ـ عليه السلام ـ يا رب ما آمن بك من عرفك فلم يحسن الظن بك
ـ وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا وأنت تجد لها في الخير محملا
أسبابه:
1ـ الدعاء،
فهو سلاح المؤمن ، وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو أن يروق سلامة القلب
2 ـ إنزال النفس منزلة الغير،
فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد بين الله لعباده هذا المعنى كما سبق بيانه حيث قال: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا) [النور: 12].
3 ـ حمل الكلام على أحسن المحامل،
هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم، وإذا كنا نتشرف بالانتساب إليهم، فلنسلك سبيلهم؛ فإن الانتساب ليس دعوة وإنما هو ممارسة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملاً".
وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده فقال للشافعي "قوى الله ضعفك " قال الشافعي: "لو قوى الله ضعفي على قوتي أهلكني" قال الرجل: "يا أبا عبدالله ما أردت إلا الخير" فقال الإمام رحمه الله: "لو دعوت الله عليَّ لعلمت أنك لم ترد إلا الخير"!!!
فهكذا تكون الإخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجه من أوجه الخير.
4 ـ التماس الأعذار للآخرين،
فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا: "التمس لأخيك سبعين عذرًا ".
وقال ابن سيرين رحمه الله: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه".
إنك حين تجتهد في التماس الأعذار تستريح وتريح نفسك من عناء الظن السيئ، وتتجنب من إكثار اللوم لإخوانك ولله در القائل:
تأن ولا تعجل بلومك صاحبا *** لعل له عذر وأنت تلوم
5 ـ : تجنب الحكم على النيات،
عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ ، مِنْ جُهَيْنَةَ ، قَالَ : فَصَبَّحْنَاهُمْ ، فَقَاتَلْنَاهُمْ ، فَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ ، إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْنَا ، وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ ، قَالَ :فَغَشِيتُهُ ، أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، قَالَ : فَلَمَّا غَشِينَاهُ ، قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ ، وَقَتَلْتُهُ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا أُسَامَةُ ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ ، فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ.
وهذا من أعظم أسباب حسن الظن حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه وتعالى، والله لم يأمرنا بشق الصدور وهذا الأمر أي الحكم على النيات هو من التطاول على الله؛ لأنك تحكم على أمر لا يعلمه إلا الله، فمن أين لك أن تحكم على نية مسلم وأنت لا تعلم حتى ما في نفسك التي بين جنبيك..
إنه تطاول وسفه وقلة رشد، فلان يقصد كذا، فلان فعل هذا لأنه يحب الظهور، فلان يتصدق ليرنا كرمه وجوده، فلان متكبر، فلان كذا وكذا...
أنى لك الإجابة إذا أوقفك هذا العبد بين يدي الله وطلب منك الحجة، فلا تحكم على أحد ولا تجزم في نيته، فإن فعلت فاعلم أن لك معه موقفًا بين يد الله إما أن يقضى لك وإما أن يقضى عليك.
6 ـ استحضار آفة سوء الظن وعدم تزكية النفس،
فال سفيان بن حسين: ( ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال:أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها
7 ـ التنكب عن مواضع التهمة
آثاره:
إن حسن الظن بالله ـ تعالى ـ عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا به لأنه من صميم التوحيد وواجباته ، و هو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى ، تحسين الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله تعالى راحمه وفارج همه وكاشف غمه وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه وما وعد به أهل التوحيد ، حقا .. إنه مسلك دقيق ومنهج وسط بين نقيضين لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصاً له سبحانه ، لذلك ينبغي أن يكون سمة لازمة يتجلى في حياة المؤمن وعند احتضاره وقرب موته
ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين مع إحسان الظن بنفسه، فالذي يسيء الظن بالآخرين هو يحسن الظن بنفسه من حيث لا يشعر وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم: 32]. وأنكر سبحانه على اليهود في هذا المسلك فقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء: 49].
وإذا كان حسن الظن بالمسلمين واجبًا فإنه في حق الأرحام آكد وأوجب؛ لأن عدم وجوده بين الأرحام يؤدي إلى القطيعة وهذا مشاهد ومعلوم.
كم من العلاقات الأسرية تمزقت وكم من الأرحام قُطعت بسبب ظن ناتج عن كلمة أو تأويل أو نميمة مشى بها سفيه منحط وضيع بين الأرحام فقطعها، وقطع الأرحام أيها الأحباب معصية عظيمة تسبب خراب الديار وانحباس الأمطار وغور مياه الآبار.
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
وعن جبير بن مطعم بن عدي رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قاطع " قال ابن أبي عمر قال سفيان: "يعني قاطع رحم" رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم قال صلى الله عليه وسلم: "لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم".
وقد كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه إذا أراد الدعاء يقول: " أنشدوا الله كل قاطع رحم أن يخرج من بيننا فإنه قد بلغني أن أباب السماء مغلقة دون قاطع رحم".
وأنا أناشد الله كل قاطع رحم بيننا أن يتوب إلى الله وأن يتصالح مع رحمه، وأن يصلهم إكرامًا لله وإكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الله ومن أجل رسوله، وسيجد لذلك انشراحًا عظيمًا مع ما سيدخر الله له من الأجر العظيم يوم القيامة.