الخميس، 7 فبراير 2019

الجمعة

بِسْم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله أجمعين، وبعد:
فهذه كلمة عن يوم الجمعة؛ فضله وأحكامه، وعن المسجد أدواره وأحكامه
إن الله – تعالى – من على أمة الإسلام بيوم الجمعة الذي يتميز بفضائل عديدة، وبأحكام خاصة، ينبغي الاهتمام بها، والمحافظة عليها.
من فضائله:
أنه خير الأيام وسيدها: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه"
وأنه عيد متكرر، ويوم المزيد في الجنة، "يتجلى لهم في كل جمعة"
وأنه اليوم المدخر لهذه الأمة، وفي الحديث: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، هذا هو يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع؛ اليهود غدا والنصارى بعد غد.
وأنه يوم يوجب المغفرة لمن أحسن فيه الطاعة، وفي الحديث: "من توضأ يوم الجمعة، فأحسن الوضوء، ثم أتى إلى الجمعة فدنا واستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مَس الحصى فقد لغا"
من أحكامه:
حرمة عقود المعاملات كلها من نكاح وتجارة وإجارة وصدقة وهبة ونحوها عند الأذان الثاني
حرمة السفر فيه بعد الزوال، وكراهته بعد الفجر لمن عليه الجمعة
استحباب الاغتسال والتزين والتطيب لحضور صلاتها
حرمة التخلف عن صلاتها بدون عذر، واستحقاق فاعل ذلك الحرق بالنار والختم على القلوب
استحباب التبكير إلى صلاتها ووجوب الاستماع إلى خطبتها
استحباب تأخير الغداء فيه  إلى ما بعد الصلاة؛ فقد روى البخاري عن سهل بن سعد – رضي الله عنهما – قال: كنّا نقيل ونتغدى بعد الجمعة، وفي رواية مسلم: ما كنّا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة
استحباب اتخاذ لباس خاص لصلاتها: "ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة غير ثوبي مهنته"
استحباب قراءة سورة الكهف في ليله أو نهاره لما في الحديث: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"
أدوار وأحكام للمسجد
 أولا: من أدواره:
مكان للعبادة (الصلاة، الذكر، الاعتكاف)
مدرسة للتعليم والتوعية
نزل للفقراء والوافدين
ناد للتشاور ومدارسة شؤون الحياة
بوتقة لتوحيد الأمة وتوجيهها وإعدادها للمعالجة والمواجهة
همزة وصل بين شرائح المجتمع
مركز للمعونات والخدمات
حصن للمرء  ضد الشيطن
حصونكم معا من الشيطن    ثلاثة جاد بها بياني
أولها المسجد ثم الثاني      دوام ذكر الله في الأزمان
ثالثها تلاوة القرآن          بالطهر مع تدبر المعاني
ثانيا: من أحكامه:
ا- مأموراته:
تعميره بالبناء وبتلبية ندائه
جواز بنائه في أي موضع
تنظيفه وتطييبه :
     أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن تتخذ المساجد في الدور وأن تطهر وتطيب
...وعرضت علي أجور أمتي، حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد
الأذان لكل مكتوبة حاضرة
التزين له : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) إن الله يحب أن يتزين له
الذكر عند الدخول (بسم الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك) وعند الخروج ( بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم إني أسألك من فضلك)
التيامن عند الدخول وعند الخروج
تخصيص باب للنساء
وفي حديث ابن عمر قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لوتركنا هذا الباب للنساء قال نافع فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات
المحافظة على النظام ( المتابعة، التسوية، التراص، وصل الصفوف، سد الفرج، الاستماع ...)
ابتدار الصف الأول
            ( ليلني أولو الأحلام، ثم الذين يلونهم ثلاثا وإياكم وهيشات الأسواق)  (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)
تحية المسجد: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ( ارجع فصل فإنك لم تصل) (ارجع فأحسن وضوءك)(ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس)
حضور النساء بشروطه
جمع العشاءين به لمطر أو طين مع ظلمة
أداء صلاة الكسوف فيه جماعة
جواز الجلوس في المسجد بلا وضوء
جواز دخول الكافر ومكثه فيه
استحباب بدء القادم من السفر به لصلاة ركعتين
استحباب عقد النكاح فيه (للحديث :أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه الدف)
استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر في المساجد وهو مذهب مالك ( للحديث :إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)
جواز القضاء فيه ( قال مالك: جلوس القاضي في المسجد للقضاء من الأمر القديم المعمول به)
جواز القسمة ونحوها فيه (للحديث: أتي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بمال من البحرين فقال : انثروه في المسجد )
 ثانيا: الممنوعات
بناؤه في مكان لا يحتاج فيه أو في ملك الغير بدون إذن
بناؤه من مال الزكاة
جعل بنائه غير مربع، أو مربعا وأحد أركانه إلى القبلة ( كان مسجد المدينة أول بنائه حوالي سبعين ذراعا في ستين)
سل السلاح فيه: ( نهى عن سل السيف في المسجد) (إذا مر أحدكم في المسجد فليمسك بنصالها
التجارة  ونشدان الضالة ونحوها:
    ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا لا رد الله عليك)
دخوله برائحة كريهة:(من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم
البصاق والتنخم : ( البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها، (... ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة يكون في المسجد لا تدفن)
رفع الصوت في غير العلم والموعظة: (اعتكف رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبة له فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفعن بعضكم على بعض  بالقراءة)
تكرير جماعة بعد الإمام الراتب
إخراج الريح الكريهة
تخطي الرقاب : (اجلس فقد آذيت)
دخول الحائض والجنب والمكث فيه
المرور بين يدي المصلي:  (لو يعلم المار بين يدي المصلي ما ذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه)
الخروج من المسجد بعد الأذان قبل الصلاة
إغلاق المسجد بلا ضرورة
أداء صلاة العيد فيه بلا ضرورة
مكث السكران  في المسجد (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)
دخول المسجد على غير وضوء (مكروه)
إدخال النجاسة إلى المسجد (حرام) والتبول بقربه
الاستصباح فيه بالنجاسة
قتل البراغيث والقمل فيه ( مكروه عند مالك)
تعليم الصبيان فيه خوفا على توسيخه
الأكل في المسجد (مكروه عند مالك مالم يكن لقمة أو لقمتين)
زخرفته (لقول عمر: أَكِنَّ الناس من المطر وإياك أن تُحمِّر أو تُصفِّر فتفتن الناس)
الكتابة في قبلته ( كرهه مالك)
تجميره بالنار (أنكره مالك)
إخراج التراب ونحوه من أجزائه منه ( إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد)
إجارة شيء من أجزائه أو بيعه
غرس الشجر فيه (كرهه مالك)
استعمال نِقضه أو أدواته في غيره
الاستياك فيه خشية تلطيخه ( مكروه عند مالك)
شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة
بناء المسجد بلبن معجونة بنجاسة
الأخذ من الشعر والظفر في المسجد (كرهه مالك)
بناء مسجد واتخاذ فوقه مسكنا (كرهه مالك)










خطبة عن الرشوة

  يوم الجمعة ٢من جمادى الآخرة ١٤٤٠/ ٨من فبراير ٢٠١٩م

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد وآله أجمعين، وبعد:
فاعلموا – عباد الله – أن المال الحرام بلاء عظيم، وفتنة كبيرة، وضرر خطير على مكتسبه، لأنه لا ينفع معه علم ولا طاعة،
لا ينفع العلم ولا العباده   بالأكل للحرام عند الساده
ولا يتيسر به الهدى الذي هو خير ما يتحلى به الإنسان
التمسوا الحلال كل ساعه   بأكله يبدو الهدى والطاعه
ولا يقبل معه دعاء: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له، ولهذا كان لازما على كل مسلم أن يتقي الله، ويتجنب جميع أنواع الكسب الحرام، وهي عديدة ومتنوعة، من أخطرها وأكثرها انتشارا في بلادنا الرشوة التي هي عادة يهودية قديمة محرمة في كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، لأنها أكل للمال بالباطل، والله – تعالى – يقول: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون، وهي من السحت سمة اليهود – لعنة الله عليهم – الذي ذمهم الله به في قوله تعالى : سماعون للكذب أكالون للسحت، وهو حرام موجب للنار: قال عليه الصلاة والسلام: لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به، وفي رواية: كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به

هذا، وللرشوة أنواع متعددة، ومظاهر متنوعة، ومجالات مختلفة، تتلخص في كل مال أعطاه المرء ليحكم له بباطل، أو ليولى ولاية، أو ليعطى ما لا يستحقه، أو هي دفع مال مقابل حاجة أو مصلحة يجب على المسؤول المكلف قضاؤها بدونه، ومن أخبثها شراء أصوات الناس في الانتخابات، فليعلم الجميع أن التصويت تزكية وشهادة والرب – سبحانه – يقول: وأقيموا الشهادة لله ذلكم بوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ومن يتق الله يجعل له مخرجا.
 والرشوة من كبائر الذنوب لقوله: - صلى الله عليه وآله وسلم – لعنة الله على الراشي والمرتشي، وفي رواية: لعن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما،
أيها الإخوة إن تسمية الرشوة بغير اسمها لا يغير من الحقيقة شيئا، فليحذر الذين يتناولونها بأسماء مستعارة كالهدية والتحية وثمن الشاي والطنبول وغيرها من الإطلاقات التي يتستر وراءها أصحاب هذه الفعلة الشنيعة التي تنخر الأمة أخلاقيا واجتماعيا واقتصاديا، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من استعملناه على عمل، فرزقناه عليه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول"، ويقول مخاطبًا لعُمّاله: "هدايا العمّال غلول"، يحذّرهم من أن يقبَلوا الهدايا من الناس؛ لأنهم لم يُهدوا إليهم إكرامًا لذواتهم، ولا محبةً لهم، لكن لأجل مناصبهم ومواقعهم، أهدَوا إليهم ليستميلوا قلوبَهم، ويخدعوا نفوسَهم، ويذلُّوهم ويحطِّموا شخصيَّتَهم الإيمانيَة القويَّة، ولهذا بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً من أصحابه مزكِّيًا، فجاءهم وقال لهم: هذا لكم، وهذا أهدِي إليَّ، فخطب النبي أصحابَه قائلاً: "ما بالي أستعملُ الرجلَ منكم على العمَل، فيأتيني ويقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليَّ؟! ألا قعد في بيت أبيه وأمِّه لينظرَ أتأتيه هديتُه أم لا؟
أسأل الله أن يرزقَنا وإياكم القناعةَ بالحلال، وأن يحفظَنا من الحرام، وأن يعينَنا على أنفسنا، ويعيذَنا من شر الشيطان.
وكثرن خيرات هذا البلد   ورزقه ولتكفه عن نكد
ورزقها اجعل أطيب الحلال   في العسر واليسر على التوالي
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.