بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد الأمين وعلى آله وصحبه ذوي الرضوان والتمكين، ورضي الله عن سلفنا الصالح رضى يشمل الآل والأحبة أجمعين.
وبعد:
فيطيب لي أن أتناول هذه الكلمة باسم الوفد القادم من طوبى لأبلغ إليكم تحيات طيبة وتمنيات خالصة من الشيخ محمد المنتقى امباكي ابن الشيخ محمد البشير، ومن الخليفة العام للمريدين الشيخ سيدي المختار، ومن آل مهرم امباكي كافة، شاكرا لكم على الدعوة للمشاركة في هذا الملتقى الإسلامي، التي ينظم هنا سنويا تخليدا لذكرى رجلين من سلفنا عظيمين أبليا في سبيل الدين الحنيف و نشر علومه وأخلاقه بلاء حسنا، بقيت آثاره وقودا في الحياة الدينية والثقافيةلنسلهما المبارك الذي كان خلف خير لخير سلف، حيث حمل الراية وواصل المهمة حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه اليوم من تحول المنطقة إلى دار إيمان تدين بالإسلام في صبغته السنية الصوفية، فرحمهم الله ورضي عنهم.
وعليه، فإننا ننوه بهذه المبادأة الكريمة ونقدر الجهود المبذولة من أجلها؛ فإنها خطوات مباركة تستحق الدعم والمساندة لأهدافها السامية، ولما تنطوي عليه من أهمية خاصة في هذا الظرف الحرج الذي تعاني فيه الأمة ما تعاني من أزمات عدة يحتاج حلها إلى الرجوع والاعتماد على مرجعيات دينية وأرضية تاريخية ثابتة تستلهم منها القوة والرؤية والجرأة، وإن حياة هذين الرجلين العظيمين لمليئة بعبر ودروس تفيد للأجيال الحاضرة والقادمة في تفاعلها مع مختلف جوانب الحياة، فقد كانت علاقتهما ربانية في قلبها و قالبها، بدأت حين وجه الشيخ حبيب الله امباكي ولده محمد الخير(مهرم) المولود سنة 1111هـ بعد أن حفظ القرآن الكريم على يديه إلى بلدة تيامين، حيث كان الشيخ محمد صامبا تيام قبلة لأهل العلم يختلف إليه الطلبة من جهات مختلفة ليأخذوا عنه العلم والأدب، فقد ذكر العلامة الحاج امباكي بوسو أن جل أهل هذا القطر (كجور وبول) تصدروا عنه مباشرة أو بواسطة عنعة تنتهي إليه، وقد ظهرت عليهم جميعا بركاته وأنواره وأسراره.
وعلى يدي هذا الشيخ الجليل تلقى جدنا مهرم امباكي علوم الشرع واللغة، وارتوى من معين أدبه وسلوكه حتى صار بحرا لا يدرك غوره، ونجما في الأفق يتلألأ بالاستقامة والصلاح، ثم عاد منه محمولا ببركة شيخه ووراثة سره إلى بلدته امباكي جولوف حيث ظل ماضيا في الدرب ثابتا على العهد الذي كان ـ رحمه الله ـ يبرهن عليه بأكثر من موقف، ولا أدل على ذلك من ابنه الثاني الذي سماه به، ولقبه بتييرنو ترجمة منه لما يكنه في نفسه من احترام وتقدير لذلك الشيخ، وكان لمهرم أيضا زملاء دراسة تربطه بهم أواصر صداقة ومحبة متينة تغذيها مراسلات ومصاهرات وزيارات متبادلة أثمرت نتائج طيبة، منها تواجد آل امباكي في بوول الذي كان بسبب رحلة قام بها مام مهرم إلى بلدة تيارين جاما لتقديم تعازيه إلى أسرة زميل دراسة كان معه عند الشيخ محمد صامبا تيام وهو الشيخ محمد الأمين صار(ملامين) الذي قتل شهيدا بإيعاز من دميل أماري نغوني نديلا، الذي اتصل به الشيخ مهرم خلال هذه الرحلة، وتمكن برزانته وفطانته من أن يبرم معه اتفاقية مصالحة بين الملك وبين شيوخ المنطقة استتب بسببها الاستقرار وعاد الأمن إلى الأهالي، الأمر الذي ارتاح له دميل وقابله بأن أقطع الشيخ الأرض التي تحمل اسم مقاطعة امباكي اليوم، وبنى فيها مهرم بلدته امباكي بوول سنة 1194هـ وولى عليها ابنه البكر أحمد فرمةقبل أن يعود إلى قراره في جولوف حيث بقي مؤديا رسالته الربانية حتى وافاه الأجل المحتوم سنة 1110هـ عن 99 عاما، وقد انبثق عن منبعه العلمي المبارك وعبر نسله الطيب روافد ثريةمنتشرة في الآفاق، كانت ـ ولا تزال ـ تلعب دورا رياديا في نشر العلم والثقافة الإسلامية والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. من أهمها مدينة طوبى المحروسة التي بناها الشيخ أحمد بامبا بالقرب من بلدة جده الثاني مهرم سنة 1306هـ، لتكون قلعة إسلامية منيعة تحولت في ظرف تاريخي قياسي ـ بفضل بركة مؤسسها وجهود قياداتها الحكيمة ـ من أرض جرداء إلى مدينة راقية تتوفر فيها أسباب الحياة السعيدة مع أصالتها الدينية التي تتمثل من بين أمور أخرى بما فيها من مساجد وجوامع ومدارس قرآنية وشرعية، وبما تعقد فيها من لقاءات فكرية وندوات علمية ، يشارك فيها ثلل من العلماء والمفكرين الذين ينتمي أغلبهم إلى أصول تنحدر من اولئك الرفاق الذين كان يجمعهم سقف التلمذة على الشيخ محمد صامبا تيام هذا، الذي يجمعنا اليوم سقف الملتقى في ذكراه العطرة. فسلام عليه وعلى أهل درسه يوم ولدوا ويوم ماتوا ويوم يبعثون أحياء،
وسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين